
وقد حدثنا عن ذكرياته ولقاءاته مع السلطان أحمد الفضلي والإشادة بدوره بعد انسحابه من مؤتمر لندن الدستوري وزيارته مصر ولقائه مع الرئيس جمال عبد الناصر، وكان هذا اللقاء هاماً وسبق أن تحدثت عنه في الجزء الأول من مذكراتي. وعند مغادرتنا لمنزل اللواء عزت سليمان كان السلطان الفضلي يتحدث بطريقته عن اللواء ووصفه بأنه نمر وقبيلي. كان يزورني باستمرار في القاهرة وكنتُ أحرص أن يشارك معي في جميع المناسبات ليخلق جواً مرحاً وساخراً وهو يتحدث عن ذكرياته وتجربته في الثورة وهروبه من عدن الى نجران والسعودية ولبنان وسفره الى أميركا حيث حصل على الجنسي، وكان عندما يخاطب البعض سواء كان سفيراً أم وزيراً يناديه: يا القبيلي.
وكان يحدثني عن ذكرياته عندما كان نائباً للسلطنة الفضلية في الوضيع وقال إنه كان من حين لآخر يزور المسؤولين في مودية وهو راكب على الحصان ويمر بالقرب من الأراضي الزراعية وهو يردد باستمرار: إذا رويت دثينة شبعت ألف مدينة.. وكنت أقول له: إن دلتا أبين وتُبن أخصب من كل الأراضي الزراعية في الجنوب. وكان يعلق مازحاً: إن أبين أرض الحاس والحسحاس والكيد والنكد والظلم الشديد، لا حيها سالي ولا ميتها شهيد، خيرها الى الحجلين وشرها الى الأذنين شابّها معلول وشاجعها مقتول.. وهذه مقولة لأحد التجار الذي سافر إلى عدن وكوّن ثروة فيها، وعندما أراد العودة إلى بلاده وضع كل ثروته على الجمال وحط الرحال بوادي أبين (وادي بنا) القريب من زنجبار، وجاءته السيول القادمة من شمال اليمن، وفقد بضاعته وماله وجماله ورجاله..
وعندما أصبح السلطان أحمد الفضلي سلطاناً للسلطنة الفضلية شجع زراعة الخضار والفواكه والقطن وشجع التعليم وكان يرسل الطلاب الى عدن ومصر للدراسة على نفقة السلطنة..
ولا زلت أتذكر لقاءه في منزلي بحضور بعض القادة المصريين الذين كانوا يشرفون على عملية صلاح الدين أو يتعاونوا معها، وفي مقدمتهم الفريق رجائي فارس والأستاذ الكبير مكرم محمد أحمد وضابط الصاعقة حسن العجيزي وأحمد سعيد مدير صوت العرب واللواء سالم حلبوب وغيرهم من الشخصيات التي كانت تهتم بالملف اليمني أثناء حرب التحرير في الجنوب. وجرى تسجيل لوقائع هذا اللقاء التاريخي بالصوت والصورة وكان السلطان الفضلي من أبرز المتحدثين فيه.
لقد خسرتُ بوفاته صديقاً عزيزاً ورجلاً شريفاً أعتزُّ بعلاقاتي الشخصية والتاريخية معه، فقد عاش حياة بسيطة ومتواضعة ومات شريفاً ونظيفاً..
